في الوسط الفني، لا تبدأ الخلافات دائمًا من مواقف حادّة أو نوايا سيئة، بل كثيرًا ما تنطلق من كلمة قيلت في سياق مهني، ثم خرجت إلى العلن محمّلة بتفسيرات تجاوزت معناها الحقيقي. هكذا تتحوّل الحوارات المهنية، التي يُفترض أن تكون طبيعية، إلى جدل إعلامي يأخذ طابعًا شخصيًا لم يكن مقصودًا أصلًا.
هذا المشهد تابعناه بوضوح في برنامج نيشان X، حين دار نقاش مهني حول طبيعة العمل الدرامي، وآليات التعاون بين الفنانين، وحقوق الممثل داخل أي مشروع فني. الحديث بحدّ ذاته لم يكن استثنائيًا، بل يشبه عشرات النقاشات التي تدور يوميًا خلف الكواليس، لكن انتقاله إلى المساحة العامة جعله عرضة للتأويل والقراءة خارج سياقه.
عندما يصطدم الطرح المهني بثقافة الشخصنة
خلال الحلقة، وعند تطرّق الإعلامي نيشان إلى عتب نادين الراسي، جاء ردّ ماغي بو غصن مثالًا واضحًا على المهنية في الفن. ردّ اتّسم بالهدوء والاتزان، حافظ على جوهر النقاش المهني، وفصل بوضوح بين الرأي العملي والعلاقة الإنسانية، من دون تصعيد أو إساءة.
ما حدث هنا لا يعني خلافًا بقدر ما يكشف عن إشكالية أوسع في ثقافة التلقّي؛ إذ تميل بعض القراءات إلى الشخصنة، وتحميل العبارات أكثر مما تحتمل، خاصة عندما تُنتزع الكلمات من سياقها المهني.
المهنية لا تعني الإساءة… وسوء الفهم وارد
في بيئات العمل الإبداعي، تُعد مناقشة حجم الدور، مساحة الحضور، أو شروط المشاركة، جزءًا أساسيًا من ثقافة العمل الفني. هذه النقاشات لا تُفهم داخل الكواليس على أنها خلافات، بل كمسار طبيعي لأي إنتاج. غير أن نقل هذا النوع من الحديث إلى العلن قد يخلق التباسًا، خصوصًا في ظل مناخ إعلامي سريع، يفضّل العناوين المثيرة على الشرح المتأنّي.
المشكلة ليست في الفكرة المطروحة، بل في الفجوة بين القصد والتلقّي. ما يُقال بنية التوضيح، قد يُستقبل بوصفه موقفًا شخصيًا، فيتحوّل الرأي إلى اتهام، والنقاش إلى جدل.
قوة الكلمة ومسؤوليتها في الإعلام
الكلمة في الإعلام ليست تفصيلًا عابرًا. فهي قابلة للاجتزاء، وسريعة الانتشار، وقابلة لإعادة التفسير بطرق متعددة. لذلك، فإن أي حديث مهني يُقال على الهواء، كما في برنامج نيشان X، يحتاج إلى وعي مضاعف، لا لأن الكلام خطأ، بل لأن احتمالات سوء التأويل أكبر.
وهنا يتضح التحدّي الحقيقي:
كيف نحافظ على الصراحة المهنية من دون أن تتحوّل إلى مادة للجدل؟ وكيف نناقش الواقع العملي للفن من دون أن يُفهم النقاش على أنه اصطفاف أو هجوم؟
الخلاصة
ما طُرح في نيشان X ليس خلافًا بقدر ما هو درس متكرّر في قوة الكلمة داخل الوسط الفني. فكثير من الأزمات لا تنشأ من سوء نية، بل من سوء فهم الكلمات، وكثير من الجدل لا يبدأ من صراع، بل من تعبير لم يُقرأ في سياقه الكامل.
في النهاية، يبقى الفن مساحة تعاون لا ساحة نزاع، وتبقى المهنية ثقافة تُبنى بالوعي والحوار، لا افتراضًا مُسلّمًا به. أما الكلمة، فمسؤوليتها لا تقل أهمية عن النية التي قيلت بها.
اقرأ أيضًا: انتهاك خصوصية ريهام عبد الغفور يشعل الجدل… تحرّك قانوني حاسم ورسالة واضحة ضد فوضى التصوير
ليما الملا

منصّة كوليس منصة إخبارية فنية إجتماعية عربية مستقلة

