بعدما توفيّ أحد المواطنين الأتراك، تفاجأ كثيرون بمشهد مؤثر حيث بقي كلبه ملازمًا لقبره لأكثر من أربعة أيام متواصلة. هذه الظاهرة ليست جديدة، لكنها تعكس أسمى صور الوفاء التي تظهرها الحيوانات تجاه أصحابها، مما يدفعنا للتساؤل: كيف تعرف الكلاب قبور أصحابها؟ ولماذا تبقى وفية بهذه الطريقة؟
تمتلك الكلاب حاسة شم استثنائية تُعد من بين الأقوى في عالم الحيوان، حيث يمكنها التقاط الروائح المميزة حتى لو كانت مدفونة تحت الأرض. عندما يُدفن شخص عزيز عليها، يمكن للكلب التعرف على رائحته المنبعثة من التربة المحيطة بالقبر. بالإضافة إلى ذلك، الكلاب تتمتع بذاكرة قوية تساعدها على تذكر الأماكن المرتبطة بروائح أو أحداث معينة، مما يفسر قدرتها على تحديد موقع القبر.
لكن المسألة ليست بيولوجية فقط؛ بل ترتبط أيضًا بالجانب العاطفي. الكلاب كائنات اجتماعية شديدة الارتباط بأصحابها، وتكون مستعدة للتضحية والوفاء حتى بعد غيابهم. إن ملازمة القبر يمكن تفسيرها كرغبة منها في البقاء بالقرب من صاحبها، أو كطريقة للتعامل مع الحزن والفقد.
هذه الظاهرة ليست معزولة، فقد تكررت في عدة دول وثقافات، مما يشير إلى عمق العلاقة التي تربط الكلاب بأصحابها. في الأرجنتين، اشتهر كلب يُدعى “كابتن” بملازمته قبر صاحبه لعدة سنوات، حيث كان يعود إلى القبر كل مساء للنوم هناك. وفي اليابان، قصة “هاتشيكو” الشهيرة تُعتبر رمزًا عالميًا للوفاء، حيث انتظر الكلب صاحبه لسنوات في محطة القطار بعد وفاته، حتى أصبح تمثاله في طوكيو شاهدًا على هذا الولاء النادر.
علم النفس الحيواني يشير إلى أن الكلاب قد تختبر مشاعر مشابهة للحزن عند فقدان أصحابها. تصرفاتها، مثل ملازمة القبور أو العودة إلى أماكن مرتبطة بأصحابها، تعكس ارتباطها العاطفي العميق وحاجتها للشعور بالطمأنينة قربهم. هذه السلوكيات توضح أن الكلاب ليست مجرد حيوانات أليفة، بل شركاء حياة يحملون في قلوبهم ولاءً نادرًا يتجاوز حدود الفهم البشري.
القصص المؤثرة عن وفاء الكلاب تلقي الضوء على أهمية العلاقة التي تربط الإنسان بالحيوان، وتدعونا إلى تأمل دور هذه الكائنات في حياتنا. فوفاء الكلاب قد يُعلمنا الكثير عن قيمة الالتزام والولاء، وهي دروس قد نحتاج إليها في عالمنا المتسارع والمليء بالتقلبات.
محمد الخزامي