رحيل عبير الأباصيري… حين يتحول الغياب إلى مرآة لواقع أليم

لم يكن صباح الأحد الأخير يوماً عادياً في الإعلام المصري. خبر رحيل الإعلامية والمعدة عبير الأباصيري لم يقتصر على إعلان وفاة شخصية معروفة في الوسط الإعلامي، بل جاء كصفعة فجائية هزّت القلوب وأطلقت موجة من الغضب والأسى على المنصات الاجتماعية.

وفاتها، التي ارتبطت بجلطة دماغية ثم غيبوبة انتهت برحيلها عن عمر ناهز 54 عاماً، فتحت جرحاً أعمق: هل أصبح المرض في مصر معركة غير متكافئة بين المريض وضيق الإمكانات الطبية والإدارية؟

مسيرة من الإخلاص خلف الكاميرات

عبير الأباصيري لم تكن مجرد اسم عابر في سجل الإعلام. منذ منتصف التسعينيات، وضعت بصمتها على الشاشة المصرية من خلال إعداد البرامج التي ناقشت قضايا اجتماعية وثقافية بجرأة وصدق.

إلى جانب عملها التلفزيوني، مارست الصحافة في مجلة روزاليوسف، وأكملت مسيرتها الأكاديمية حتى نالت درجة الماجستير، فأصبحت مصدر ثقة ومرجعاً للمعرفة لطلاب الإعلام وزملائها.
ورغم هذا الحضور المهني، عاشت حياة هادئة بعيداً عن الأضواء، إلى أن رحلت في صمت ترك ضجيجاً من الأسئلة.

لحظة الأزمة… صراع مع الزمن

الروايات المتداولة تكشف أن الأزمة الصحية التي ألمّت بها كشفت عيوباً قاتلة في منظومة الرعاية.
عبير، بحسب مقربين منها، لم تجد التدخل السريع الذي تستحقه في لحظات مصيرية، وبقيت لساعات تنتظر سريراً في العناية المركزة. هذا التأخير كلّفها حياتها، لكنه في الوقت ذاته سلّط الضوء على أزمة أوسع: هل النظام الصحي قادر على حماية المرضى حين يداهمهم الخطر فجأة؟

الغياب الذي فضح الواقع

لم يكن صعباً على المتابع أن يشهد كيف تحوّل رحيلها إلى قضية رأي عام.
زملاؤها في الوسط الإعلامي نعوها بكلمات مؤثرة، مشددين على التزامها وصدقها. أما الجمهور، فقد استعاد معها ذكريات برامج شكلت جزءاً من ذاكرته اليومية.
لكن خلف الحزن، ارتفعت أصوات غاضبة: إلى متى يستمر مسلسل الإهمال الطبي؟ ولماذا يتكرر السيناريو ذاته مع شخصيات عادية أو عامة على حد سواء؟

وزارة الصحة في قفص الاتهام

سرعان ما أعلنت وزارة الصحة فتح تحقيق عاجل، مؤكدة أن أي تقصير سيُحاسب. تصريحات المسؤولين بدت حازمة، لكنها لم تُطفئ الشكوك. كثيرون اعتبروا أن المشكلة ليست في حادثة فردية، بل في بنية صحية مترهلة تعاني نقصاً في المعدات والكوادر، وتفتقر إلى آليات تدخل عاجلة تنقذ الأرواح في اللحظات الحاسمة.

ما بين الذاكرة والمسؤولية

رحيل عبير الأباصيري لا يمكن اعتباره مجرد خبر وفاة. إنه تذكير قاسٍ بأن الإنسان قد يجد نفسه في مواجهة قدر لا يرحم، ليس بسبب المرض وحده، بل بسبب منظومة عاجزة عن منحه فرصة عادلة للبقاء.
هي قصة إعلامية رحلت، لكنها أيضاً قصة بلد يواجه سؤالاً أكبر: متى يصبح الحق في العلاج واقعاً لا شعاراً؟