سيرين عبد النور تركت دمشق مع ابنيها.. مسلسل يحبس الأنفاس مع قيس الشيخ نجيب!
مسلسل النسيان

سيرين عبد النور تركت دمشق مع ابنيها.. مسلسل يحبس الأنفاس مع قيس الشيخ نجيب!

يلعب الممثلان قيس الشيخ نجيب وسيرين عبد النور دورين بُطوليين في مسلسل النسيان.

يفتتحُ المشهد الدرامي الأول على حادثة قصفٍ عنيفةٍ تطال دمشق سنة 2012، أي ما يشي بدخول مباشرٍ في الأحداث بقوةٍ، ونحن لم نتعرف بعد إلى ملامح القصّة، حيث نرى سيرين تحاول حماية ابنيْها من شظايا الأشياء المتناثرة عليهما بسبب القصف المستمرّ، وكأن الرغبة الإخراجيّة في أن نعيش مع الشخصيات هذا الاصطدام المخيف بالواقع ونخوض معهم رحلة الفرار والاحتماء من الأضرار.

اقرأ: مسلسل النّسيان هل يُنسِي ما في قلب سيرين عبد النور وقيس الشيخ نجيب من فقدان؟ – فيديو

تحاول سيرين أخذ قرار مغادرة دمشق نحو لبنان وتترك رسالةً لزوجها حازم أي قيس الشيخ نجيب، وتحمل ابنيها معها نحو المطار.

في بداية العمل، يلفتنا قدرة تقمص سيرين لشخصية الدكتورة التي تعاني من صدمة الحرب التي استهدفت جهازها العصبيّ وانفعالات الجسد المركزية، فنرى اضطرابها بسبب ما شاهدته وعايشته في الحرب كما يبدو لنا للوهلة الأولى، مثل استمرار رجفة اليد والارتباك الحركيّ وكوابيس اليقظة، رغم مباشرتها حصصًا خاصة بالتدريب على الحركة والثبات، إلاَّ أنَّ هذه الصدمة لم تترجمها سيرين فقط في إفلات بعض الأشياء من يدها وإنَّما كذلك في الأثر النفسيّ الذي لا تزال تعاني منه مُضاعفًا، لأنّها بسبب ما تعانيه، فقدت ابنيها وهي تحاول الفرار بهما نتيجة حادثٍ كبيرٍ.

نقلت سيرين بتقمصٍ مؤلم مشاعر الأمومة الضَّائعة، والتي لا تزال تؤمن بحدسها ببقاء ابنيها على قيد الحياة، رغم محاولات إقناعهما بأنهما توفّيَا في الحادث، فنرى ارتباكها المستمر وعمليات بحثها عنهما بشتى الطرق، عبر الإعلان عنهما في وسائل التواصل وحتى بلغة جسدها عندما تعطف على أطفالٍ آخرين وتبكي دون سببٍ عند رؤيتهم.

اقرأ: أمل عرفة ومنى واصف بدوريْن إنسانيين مفرطيْن بالأمومة والحبّ وإبداعهما تخطى المشاعر!

سيرين نجحت في تقمص هذه الصدمات النفسية وترجمتها بانفعالاتٍ حرّةٍ صدّقنا معها أنها فعلًا تعيش هذه التجربة المضنية والآلام المضاعفة التي تعيشها أيّ أمٍ في حالتها، وهذا الدور أبرز تطوّر سيرين دراميًا، فهذا الدور ليس مجرد دور أمٍ مريضةٍ بصدماتها، فهو يختزل معاناة ملايين الأمهات في سوريا اللواتي فقدن أبنائهن لأسبابٍ مختلفةٍ بفعل الحرب، وهذا ما يشي بأنَّ العمل ليس عملًا تجاريًا يبحث فيه المخرج عن المشاهد البطولية للممثل الواحد، وإنما بحملِ الأبطال جميعًا قضيّة المسلسل وتأثيرات الحرب عليهم بطرقٍ متعددةٍ، وربما بصورةٍ عكسيةٍ، مثل ما نرى مع زوجها حازم الذي رغم ما مر به مع زوجته، لجأ إلى خيانتها مع أقرب صديقةٍ لها، ورغم صدقه في العثور على ابنيه المفقودين، لكنه ترجم بدوره أنانية الذات التي تظل تبحث عن رغباتها الفردية وإشباعها لأن زوجته لم تعد قادرةً كما من قبل على التجاوب النفسي والعاطفي معه كما يريد، رغم أنها لا تزال تحبه وتحاول إسعاده، ولعل خلق مهرب الخيانة شكلٌ من أشكال النسيان كما يشي المسلسل.

النسيان أعمقُ مما يبدو من عنوان المسلسل إذًا، فهو حسب ما ترسمه الشخصيات لنفسها من محاولات هروبٍ مختلفةٍ، لذا هو ليس مجرد رغبةٍ معنويةٍ من الشخصيات بل يحمل أيضًا دافعًا ماديًا، أي ملموسًا، فكل الأبطال يهربون إلى النسيان للنجاة من واقع الحرب وتأثيراتها، فنرى كيف يصبح الأطفال عبيدًا لمروجي المخدرات، وتحت عيون العصابات، أملًا في نسيان واقعهم وتغييره بعد فترةٍ، ولكنَّ المروجين أنفسهم هم أيضًا يبحثون عن نسيان واقعٍ أسودٍ والخروج من الأزمات عبر استغلال الآخرين، وأملًا في جمع مزيدٍ من المال لتغيير أوضاعهم، دون أدنى شعورٍ بالذنب بأنّهم يحطمون العوائل ويلحقون بمجتمعٍ يطمح إلى تجاوز كلّ هذه التبعات بإبقائه في وحل الأمل الكاذب والوهم.

النسيان يفضح المجتمع المخذول وتركيبته المخيفة في آن، ويحذّرنا من مصائر مجهولةٍ، بعدما أصبح الأطفال مثل رؤساء العصابات، يلقون بالتعليم عرض الحائط، أي ما يشي بولادة مجتمع مفصومٍ لا يرحم بعد عدة سنواتٍ، وبعدما أصبح من هم في طبقاتٍ اجتماعيةٍ مرموقةٍ خائنين وضائعين، ولا غاية لهم إلّا النسيان.

محمد الخزامي