“شو هالأيام اللي وصلنالا!”: تأملات في رحيل زياد الرحباني
كان من المتوقع أن نحترم غياب الراحل زياد الرحباني ونتصرف بطريقة تليق بمكانته الثقافية.
فقد كان واحدًا من رموز التاريخ اللبناني، ووجود الأيقونة فيروز وعائلة الراحل في الجنازة أكد على عمق تقاليد الفن والأدب في لبنان.
لكن واقع وسائل التواصل الاجتماعي جعلنا نشعر وكأننا نشاهد عرضًا كوميديًا غير تقليدي.
كم هو مؤلم أن نشهد موكب الحزن على انستغرام وفيسبوك بينما تنطلق التعليقات المليئة بالابتذال والسب والتمييز! لبنان كان معروفًا بجودة الفنون وعمق الأفكار، واليوم تكاد تقتصر ثقافة لبنان على بعض الكلمات السخيفة ورقصات التريندات.
هل حقًا يمكن أن نودع أحد أعلام الثقافة بإفراغ أحزاننا في أشكال غريبة من التنمر والسخرية؟
يا سادة، كيف نودع نخبة لبنان بينما نتوهم أننا نعيش في مجتمع يعكس قيمه الراقية؟ حين تنزل المشاهير ليكتبوا عن الحزن، تنقلب التعليقات إلى معركة ضارية من الكلمات السلبية.
كأننا نعيش في زمن لم يتبقّ فيه من الثقافة سوى علبة مغلقة ومعلبة، يُحفظ داخلها فن حسن الخلق والأدب.
المسألة تتجاوز مجرد الكلمات. الثقافة العريقة التي نتفاخر بها في المناسبات، والتي نفخر بأنها تمتد لآلاف السنين، أصبحت الآن مجرد حروف مكتوبة على جدران الفيسبوك.
الأحزان مرصعة بتعليقات تخللتها نزعات العنف والابتذال، وكأن تلك التعليقات تستمد قوتها من أفعالنا ومن ثقافة التصغير والتقليل.
فلنكن واضحين: كيف نكمل العزاء ونحن نرى آخرين يعبرون عن تعازيهم بشتائم وعبارات مبتذلة؟ بدلًا من إحياء ذكرى الراحل وزرع الأمل في نفوس من يعانون، نغذي جوًا من السخرية والتقليل من القيمة.
إذا كانت الثقافة قد تصبح شيئًا من الماضي، أو مجرد ذكرى جميلة، ربما آن الأوان لاستعادة تأثير الراحل زياد الرحباني، لنرفض الإسفاف الذي يحيط بنا، وبدلاً من ذلك، لنواجهه ونكشف ملامح النرجسية والأنانية التي تؤدي إلى تدهور ثقافتنا وفقدان هويتنا.
عُقدت الجنازات وتجمع الناس، لكن دعونا نكون صادقين: ما هو التراث الذي نحمله نحن “العرب”؟ هل نعمل بجد لتقدير فناني الفن الرفيع، بينما أغلقت عقول الكثير من الناس على كلمات رخيصة لا قيمة لها؟
دعونا نبحث عن هوية نابضة بجذور تراثنا، لا مجرد كلمات يتبادلها الجميع كأصدقاء في الفضاء الواسع.
فلنتأهب لاستعادة تلك الثقافة العريقة، ولنبدأ بمد جسور التواصل الحقيقي، حيث يلتقي الفن بالفكر ويندمجان في قلب مجتمعنا، بعيدًا عن الفوضى.
اقرأ أيضًا: كنيسة القديس جورج تستقبل وفد قطري رفيع المستوى لعزاء زياد الرحباني؟
لكن، هل نحن حقًا في حالة حلم؟ كيف يمكن لهذا السيل من الكلمات السطحية التي تملأ وسائل التواصل أن يُحدث تغييرًا حقيقيًا في واقعنا؟ كما قال الراحل زياد الرحباني: “كان حلمي طير.. قام طار حلمي.. يلا، مش مشكلة، أنا وحلمي واحد”.
ليما الملا