وصلنا الى مرحلة اختلطت فيها المعلومة بالكثير من الصخب، وصار الوصول إلى “الترند” أسرع من الوصول إلى الحقيقة، تُسجِّل نقابةُ الصحفيين في مصر موقفًا يُحسَبُ لها وبجدارة: حماية الصحافة عبر الانضباط، لا عبر التساهل.
قرار النقابة بإيقاف صحفيتين سابقًا عن العمل لم يكن انتقامًا ولا استعراض قوة، بل رسالة واضحة بأن المهنة لها سقف أخلاقي لا يجوز كسره مهما كانت الذرائع. الصحافة ليست مساحة للفوضى، ولا منبرًا لتصفية الحسابات، بل مسؤولية عامة تمس الوعي الجمعي للمجتمع.
واليوم، مع القرارات الجديدة التي تؤكد محاسبة أي صحفي يتصرف بشكل غير لائق أو يسيء للمهنة، تذهب النقابة خطوة أبعد: من الوقاية إلى التنظيم. هذا التحول مهم، لأنه لا ينتظر الخطأ ليعاقبه فقط، بل يضع قواعد مسبقة تُذكّر الجميع بأن بطاقة “صحفي” ليست حصانة مفتوحة، بل التزام دائم.
ما يميّز هذا المسار أن النقابة لم تخلط بين حرية الصحافة والتجاوز المهني. الحرية لا تعني الإساءة، والرأي لا يبرر التشهير، والسبق الصحفي لا يُبنى على كسر الكرامات أو تشويه السمعة. هنا، يظهر الفهم العميق لدور الصحافة كسلطة وعي، لا سلطة فوضى.
الإشادة الحقيقية بنقابة الصحفيين في مصر أنها اختارت الطريق الأصعب: طريق القرار غير الشعبي أحيانًا، لكنه الصحيح مهنيًا. فالتساهل قد يرضي البعض مؤقتًا، لكن الحزم العادل يحمي المهنة على المدى الطويل، ويعيد للصحافة هيبتها واحترامها أمام الجمهور.
الأهم أن هذه القرارات لا تحمي الصحافة فقط، بل تحمي الصحفي نفسه. حين تكون القواعد واضحة، يعرف الصحفي حدوده، ويعمل في بيئة مهنية تحميه من الانزلاق، وتفصل بين الجرأة المهنية والاستسهال الرخيص.
من هنا، لا تبدو التجربة المصرية محلية فقط، بل نموذجًا عربيًا يُحتذى به. كثير من الدول العربية بحاجة إلى نقابات قوية لا تخاف من المحاسبة، ولا تساوم على أخلاقيات المهنة تحت أي ضغط سياسي أو جماهيري.
في الختام
ما تقوم به نقابة الصحفيين في مصر اليوم ليس تشددًا، بل إنقاذ للمهنة. فصحافة بلا ضوابط تفقد ثقة الناس، وصحافة بلا نقابة قوية تتحول إلى ساحة صراخ. والرهان الحقيقي ليس على عدد الأخبار، بل على قيمة الكلمة… وهنا تحسب النقاط كاملة لصالح مصر.
اقرأ أيضًا: انتهاك خصوصية ريهام عبد الغفور يشعل الجدل… تحرّك قانوني حاسم ورسالة واضحة ضد فوضى التصوير
اضغط هنا وشاهد الفيديو
ليما الملا

منصّة كوليس منصة إخبارية فنية إجتماعية عربية مستقلة

