عالم يمزج بين بريق السينما وصخب الموضة، اختارت النجمة العالمية أنجلينا جولي أن تكسر القاعدة هذه المرة. ليس عبر شخصية بطولية خارقة أو دور إنساني بعيد، لكن هذه المرة من خلال عمل سينمائي يضعها وجهًا لوجه مع هاجسها الأكبر: السرطان.
فيلمها الجديد Couture، الذي يُعرض لأول مرة ضمن فعاليات الدورة الـ50 لمهرجان تورنتو السينمائي الدولي، يتجاوز حدود الفن ليتحول إلى شهادة شخصية، وخطاب إنساني يحمل الكثير من المعاني عن الألم والصمود.
بين السيرة الذاتية والخيال السينمائي
في Couture، تقدم المبدعة أنجيلينا جولي شخصية مخرجة أفلام رعب يتم استدعاؤها للعمل مع دار أزياء فرنسية خلال أسبوع الموضة في باريس. لكن الحبكة تأخذ منعطفًا قاسيًا حين تكتشف إصابتها بسرطان الثدي. عند هذه اللحظة، يضع الفيلم شخصيته الرئيسية أمام تحدٍ مزدوج: مواجهة المرض من جهة، والاستمرار في عالم الموضة الذي يحتاج إلى وقت وجهد من جهة أخرى.
ورغم أن القصة تبدو خيالية، إلا أن جذورها تعود إلى التجربة الواقعية للجميلة جولي، التي أجرت عام 2013 عملية استئصال وقائي للثديين بعد اكتشاف إصابتها بجين وراثي يزيد من احتمالات السرطان. بهذا المعنى، يتحول الفيلم إلى مزج بارع بين السيرة الذاتية والتجربة الإبداعية.
ثلاث نساء… ثلاث مصائر
ما يميز العمل أن قصته لا تتمحور حول أنجيلينا جولي وحدها، بل تنفتح على مصائر نساء أخريات:
١- ماكسين والكر: البطلة التي تؤديها أنجيلينا جولي، تكشف عن هشاشة القوة خلف شهرة المخرجة ونجاحها
٢- أدار: عارضة أزياء متمردة على مسار مفروض عليها، تبحث عن الحرية خارج مدرجات الموضة
٣- أنجلي: خبيرة تجميل فرنسية اعتادت أن تبقى في الظل، لكنها تحمل قصصًا إنسانية عميقة.
هذا التوازي بين الشخصيات يمنح الفيلم بعدًا جماعيًا، إذ يصبح صوتًا لكل النساء اللواتي يعشن مع الألم بصمت، سواء داخل عالم الأزياء أو خارجه.
السينما كأداة لكشف المستور
المخرجة الفرنسية أليس وينوكور، التي وقعت على إخراج الفيلم، أوضحت أنها كتبت النص وفي ذهنها صورة أنجلينا جولي. هدفها لم يكن تقديم نجمة هوليوود في صورة مألوفة، بل إظهار هشاشتها كإنسانة. وهنا نطرح سؤال جريء: هل يمكن للفن أن يكون مرآة لجرح شخصي؟ Couture يجيب بالإيجاب، من خلال مشاهد مؤلمة، أهمها تلك التي يظهر فيها الطبيب وهو يرسم خطوط الجراحة على جسد البطلة، في استدعاء واقعي وصادم لرحلة النساء مع المرض.
الموضة كواجهة والمرض كحقيقة
إحدى المفارقات القوية في الفيلم هي في تناقض فضاءاته: عروض الأزياء التي تمثل البريق والسطح، في مقابل غرف المستشفيات الباردة حيث يواجه الجسد امتحانه الأصعب. هذه المفارقة تمنح العمل عمقًا فلسفيًا، إذ تكشف كيف يمكن للإنسان أن يبدو في كامل جماله خارجيًا بينما يخوض معركة قاسية داخليًا.
قراءة أعمق في شخصية أنجيلينا جولي
اختيار أنجلينا جولي لهذا الدور ليس مجرد قرار فني، بل هو إعلان شجاعة. النجمة التي لطالما ارتبط اسمها بالأعمال الإنسانية ومواقفها الحقوقية، قررت أن تضع تجربتها الشخصية في دائرة الضوء. وهنا يتحول الفيلم إلى رسالة دعم لنساء كثيرات يعشن الخوف ذاته، ورسالة فخر في الوقت نفسه بقوة وإرادة المرأة على المواجهة.
مهرجان تورنتو منصة مثالية
عرض الفيلم في مهرجان تورنتو السينمائي الدولي لم يكن مصادفة. هذا المهرجان الذي يُعرف بكونه جسرًا بين السينما الجماهيرية والسينما الجادة، منح Couture منصة دولية واسعة، وفتح الباب أمام النقاد والجمهور لتلقي العمل ليس كفيلم درامي فقط، بل كوثيقة إنسانية أيضًا.
خلاصة الكلام
فيلم Couture لا يُقاس بقيمته الفنية وحدها، بل بقدرته على إثارة نقاش أكبر: عن الجسد، عن الهشاشة، عن القوة الحقيقية التي تولد من مواجهة الخوف. أنجلينا جولي لم تعد هنا مجرد ممثلة تؤدي دورًا، بل امرأة تُحوّل جرحها الشخصي إلى حكاية سينمائية نتعلم منها. في زمن يطغى فيه الاستعراض على الجوهر، يأتي Couture ليذكّرنا بأن الفن في أعمق معانيه هو قدرة على تحويل الألم إلى معنى.
اقرأ أيضًا: أنجلينا جولي تودع هوليوود وتبيع منزلها التاريخي
ليما الملا