في ظل تحديات العصر الحديث وسرعة تطور المعرفة والتكنولوجيا، يقف العقل العربي عند مفترق طرق يتطلب منه إعادة تقييم علاقته بإنتاج المعرفة.
فبالرغم من الإرث الثقافي الغني الذي تحظى به البلدان العربية، من شعراء وفلاسفة وعلماء ألهموا العالم قروناً طويلة، إلا أن هناك إشكاليةً واضحةً في الفكر العربي الحديث تتعلق بإنتاج المعرفة.
هذه الإشكالية ليست مجرد انعكاس للحاضر فحسب، بل هي نتاج عوامل عدة أثرت في العقل العربي. يمكن ملاحظة أننا نجد في البلدان العربية عدداً هائلاً من الشعراء والأدباء في القرن الماضي، لكنها، في نفس الوقت، عجزت عن خلق كوكبة جديدة من العلماء في العصر الحديث يمكن مقارنتهم بعظماء الماضي كالخوارزمي وابن سينا، مما يدفع بالمجتمعات العربية للتغني بإنجازات أسلافها دون أن تقدم إسهامات معاصرة تُذكر.
تعتبر النظرة السلبية للتفكير المنطقي والعقلاني من أبرز العوائق التي تحول دون تقدم العقل العربي وابتكاره المعرفي. هذا الإدراك المشوه للعقلانية والمنطق يُعد جزءًا من منظومة ثقافية أوسع مترسخة في الذهن العربي بشكل عام، تمجد الماضي تمجد التقاليد على حساب الإبداع والابتكار.
إضافة إلى ذلك، يواجه النظام التعليمي في العالم العربي انتقادات لاذعة بسبب تقوقعه على نهج تقليدي يفتقد للجودة والقدرة على إنتاج معرفة جديدة. التعليم الذي يرتكز على الحفظ والتلقين أكثر من التحليل والنقد البناء يُخرج جيلاً بأكمله غير قادر على التعامل مع تحديات العصر وإنتاج معرفة تسهم في تقدم المجتمع.
لذلك، يتوجب على المجتمعات العربية وصانعي القرار إدراك أهمية إعادة هيكلة النظام التعليمي وتبني مناهج تعليمية مرنة ومتطورة تشجع على الإبداع والتفكير النقدي، وكذلك الإستثمار في البحث العلمي والتطوير كأساس لإنتاج المعرفة.
من الضروري كذلك تبني عقلية جديدة ترى الإبتكار والتقدم العلمي ليس كنقطة وصول، بل كرحلة مستمرة من التعلم والتطور. فقط من خلال هذا التحول الجذري، يمكن للعقل العربي أن ينتج معرفة جديدة ومعاصرة تسهم في خلق مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
ليما الملا