أمسية صغيرة قد تغيّر الكثير وسط ضجيج الأيام وأعباء الأشغال، قرر ابني عمر أن يمنحني لحظة استراحة تملؤها المحبة. دعاني إلى عشاء بسيط، ثم اصطحبني إلى صالة فوكس سينما في مجمع الأفنيوز.
جلست على المقعد رقم ٤، وهو بجانبي في المقعد رقم ٥. وبدلًا من الفشار المعتاد، طلبنا طبقًا من الفاكهة المقطعة. تفاصيل صغيرة، لكنها حملت معنى كبيرًا: أحيانًا الحب لا يحتاج إلى كلمات، بل يظهر في هذه اللمسات البسيطة التي تُضيء القلب.

ووسط هذه الأجواء، اختار عمر أن يكون فيلمنا لتلك الليلة “Toxic Avenger”. للوهلة الأولى قد يبدو فيلم رعب ساخر، مليء بالمشاهد الدموية والفكاهة السوداء، لكنه يحمل ما هو أعمق بكثير: تأمل فلسفي في معنى البطولة، ومفارقات الخير والشر، ومصير الإنسان في عالم ملوّث ماديًا وأخلاقيًا.
القبح كشرط للبطولة
بطل الفيلم لم يُولد بطلًا. كان شابًا ضعيفًا وساذجًا، هدفًا للتنمر والسخرية. سقوطه في بركة من النفايات الكيميائية لم يكن نهاية، بل بداية تحوّل: جسد مشوّه لكن قوة خارقة. هنا يُطرح السؤال: هل يولد البطل من النقاء والجمال؟ أم أن القبح والتمزق هما الشرط الخفي الذي يحرّر القوة الكامنة في الداخل؟
العنف… لغة العدالة الأخيرة
البطل الجديد لا يحارب بالكلمة ولا بالحكمة، بل بالعنف. يفتك بأعدائه بلا رحمة، كأن الفيلم يصرخ: حين يفشل القانون، يصبح العنف هو لغة العدالة. فكرة صادمة، لكنها حقيقة المجتمع الذي يقدّس القوة العارية، ويرى فيها الطريق الأسرع لفرض النظام.
مرآة لمجتمع ملوّث
خلف المشاهد المبالغ فيها، نجد هجاء اجتماعيًا قاسيًا: مدينة تغرق في الفساد، شرطة متواطئة، شركات تلوّث بلا حساب، وعالم بأسره يسبح في “نفايات” مادية ورمزية. البطل المشوّه لم يكن استثناءً، بل نتيجة طبيعية لهذا الخراب. وجوده نفسه يذكّرنا أن الحضارة الحديثة قادرة على خلق مشوهين أكثر مما تصنع أبطالًا.
من هرقل إلى السخرية
الفيلم، في عمقه، يعيد رسم صورة البطل الأسطوري. فبدل “هرقل” الجميل القوي، يقدّم لنا بطلًا قبيحًا ساخرًا، مبالغًا في عنفه، كأنه “هرقل ما بعد الحداثة”. بطولة لا تُلهم بالضرورة، بل تكشف عبثية المجتمع وتناقضاته.
“التوكسك أفنجر” فيلم رعب كوميدي، ومرآة لواقع يقول إن أبطالنا قد يولدون من النفايات، وإن القبح قد يكون الوجه الآخر للحقيقة. وبين مشهد وآخر، يبقى السؤال حاضرًا: هل البطل هو من يحمل الفضيلة في زمن الانهيار؟ أم من ينجو من الخراب ليصبح تجسيدًا له؟
ليما الملا