صمود الإعلام الكويتي في وجه الغزو: قصة النضال والدبلوماسية الناجحة! – وثائق
في فعل وحشي غير مسبوق، احتل العراق الكويت، محاولين طمس هويتها وتاريخها وقمع أي معارضة شجاعة. بيد أن الكويت استندت إلى دبلوماسيتها القوية وإرادة شعبها الصلبة، ومع المساندة الدولية لقضيتها، تم إنصاف الكويت ومحاسبة المعتدين.
اقرأ:المرأة الكويتية: صوت الريادة وقوة التأثير في المشهد المحلي والعربي! – صور
وعلى الرغم من محاولات القمع، فقد بقي الصوت الكويتي حيًا وناضل الإعلام الكويتي ببسالة. المقاومة لم تهدأ حتى في أصعب الأوقات خلال الاحتلال الذي دام سبعة أشهر، حيث وقف الكويتيون بكل شموخ دفاعًا عن الوطن، متمسكين بكرامتهم وهويتهم.
اقرأ: كيف احتفل نجوم العرب بالعيد الوطني الكويتي؟ – وثائق
كانت مهمة العراق الأولى إخماد هذا الصوت بأي ثمن، لطمس معالم السيادة والتفرد الذي يميز المجتمع الكويتي. كان العراقيون يدركون تأثير الإعلام الكويتي وأهميته، ومنذ اللحظات الأولى للاحتلال، سيطروا على محطات الإعلام الكويتية لإنهاء صوت الحكومة الشرعية. ففي كل دول العالم، يمثل الإعلام قوة حقيقية للدولة توصل صوتها للشعب والعالم. لذا، كان إسكاته أولوية لتثبيت أركان الاحتلال وقطع الأمل عن الشعب.
فهذه المنابر، إن بقيت تحت السيطرة الشرعية الكويتية، كان من الممكن أن تحافظ على الروح المعنوية وتوجه الجهود الموحدة لصالح الكفاح الوطني ضد الغزاة.
خلال تلك الفترة المضطربة عندما اجتاحت القوات العراقية الكويت، اجتهدت مجموعة من الشباب الكويتي لإنشاء استوديو بث جديد يحل محل استوديو الجيوان المستهدف. وهكذا وُلد “استوديو الدسمة” من رحم الأزمة، حيث بدأ العاملون في الإعلام يتوافدون إلى هناك شيئاً فشيئاً، ينسقون بتكتم وحرص لتأمين استمرار البث.
في ذلك الوقت، تولى الدكتور عبد العزيز المنصور دور المشرف العام على إعادة البث الإذاعي، وقد قام بتجميع فريق مختار بسرعة لينضم إلى الاستوديو.
يوسف مصطفى، المذيع المعروف، كان أول من وصل، ثم وصل آخرون كالمخرج منصور المنصور والمذيعة سلوى حسين، بالإضافة إلى المهندس عبد الحميد خاجة وزملاؤه.
تتويجاً لجهود وتدابير احترازية أخذت قبل الغزو بتوجيهات من وزير الإعلام آنذاك، الشيخ جابر مبارك الحمد، استُخدمت سيارة البث الإذاعي التي أخفيت بعيداً عن الأنظار لتأمين عمليات البث.
وفي غضون ساعات، تم تهيئة الاستوديو وبدأ بتقديم بث إذاعي حتى تم ربطه بالبث التلفزيوني، ليحظى الكويتيون بمشاهدة يوسف مصطفى وسلوى حسين يقدمان الأخبار والمستجدات.
كانت من أبرز الأخبار التي نقلها البث، إعلان سلامة أمير البلاد وولي عهده ومغادرتهما نحو الأراضي السعودية، إلى جانب بث تسجيل لولي العهد يدعو فيه الكويتيين إلى الصبر والثبات في وجه الغزو.
الإرسال استمر على قدم وساق طيلة يوم الخميس، المعروف بالأسود، حتى منتصف الليل حين توقف لفترة وجيزة. وفي صباح الجمعة، عاود البث قبل أن ينقطع بشكل نهائي بعد وقوع مرسلات فيلكا التي كانت الإذاعة تبث عبرها في أيدي الاحتلال. ومع احتمالية اكتشاف موقع الإذاعة الجديدة من خلال مرسلاتها، أصبح وضع البث الكويتي في مهب الريح.
عندما وصل الفريق الإذاعي الكويتي إلى الخفجي في السعودية، وجدوا أن المحطة الإذاعية الجديدة جاهزة للعمل. محمد القحطاني، أحد المذيعين، كان قد سبقهم إلى هناك، مما سمح لصوت الكويت أن يُسمع مجددًا من خلال أراضي السعودية.
بدأت الإذاعة تبث من محطة كانت مخصصة لتعزيز إشارات الإذاعة السعودية. بدأ البث في صباح يوم خميس، بعد أسبوع من الغزو، وكان يتخلله بيانات وأنباء عن المقاومة الكويتية الشجاعة التي واجهت قوات صدام المحتلة، إضافة إلى بعض الأغاني الوطنية التي تمكن الفريق من تهريبها خارج الكويت.
كان البث يمتد من السابعة صباحًا إلى الواحدة من منتصف الليل. انقسم المذيعون والفنيون إلى ثلاث نوبات عمل، وكل نوبة كانت تتولى البث لمدة ست ساعات. لم تكن الإذاعة تمتلك جهاز فاكس أو مصدر مباشر للأخبار لمدة شهرين، لذا كان فريق الإذاعة يستمع إلى البي بي سي، مونت كارلو وغيرها من الإذاعات العالمية والعربية والأجنبية لجمع الأخبار. كما كانوا يتلقون بعض المعلومات الرسمية عبر الهاتف من الطائف والأخبار من داخل الكويت، التي كان ينقلها الفارون من الغزو أو المقاومة المحلية. هذه المعلومات كانت تُستخدم في التواصل مع الحكومة في الطائف وبعض الجهات الخارجية.
بالنسبة لتلفزيون الكويت، خلال هذه الفترة تم الاتفاق بين وزراء الإعلام في دول مجلس التعاون الخليجي على بث رسالة يومية بإسم تلفزيون الكويت، تُسجل في الرياض وترسل عبر الأقمار الصناعية إلى الدول الأخرى لبثها. هذه الرسائل كانت موجهة أساسًا إلى المواطنين الكويتيين في الداخل وفي دول مجلس التعاون. تنوعت الوجوه التي قدمت البث، بدءا من علي حسن، فريح العنزي، يوسف مصطفى، وآخرون.
من ناحية أخرى، تم تجهيز الإذاعة السعودية القديمة في الدمام لتكون محطة جديدة للإذاعة الكويتية، تجاوزت كثيرًا محطة الخفجي من حيث التجهيزات وقوة البث. اجتمع بها العديد من المهنيين السابقين في الإعلام الكويتي الذين انضموا إلى الفريق الجديد، مثل محرر الأخبار، المهندسين أحمد الجزاف ونايف العتيبي، والمذيعين فاطمة القطان وبدر عبدالحميد وآخرين. المحطة بدأت بثها في نوفمبر ووسعت ساعات العمل لتقدم محتوى يلهم الكويتيين ويعزز صمودهم.
كما تم إنشاء المركز الإعلامي الكويتي في القاهرة بقرار من سمو الشيخ جابر المبارك الذي شغل منصب وزير الإعلام أثناء الغزو، وقد أصبح هذا المركز بمثابة نقطة تواصل حيوية، مقدمًا دعمًا إعلاميًا مهمًا للكويت في ذلك الوقت العصيب.
تتساءل كوليس حول ما إذا كان الإعلام الكويتي اليوم يحتفظ بمصداقيته وقوته كما في فترة الغزو، أو إذا كانت العولمة وتقدم تكنولوجيا المعلومات قد أحدثتا تغييرات أساسية في دوره.
ليما الملا