نقاط قوة مسلسل المهرج.. أمل بوشوشة فاجأتنا مع باسم ياخور وما في الكواليس؟!
تلعب النجمة الجزائرية أمل بوشوشة دورًا مميزًا في مسلسل المهرج، الذي انبنت قصته على فوضى الدقة، وتبادل الصفات، وخيبات الحب والجريمة العبقرية.
أمل كما نراها، دكتورة في مركز تجميل تتورط في نزوة عاطفية مع سكرتيرها الخاص (طالب) بشخصية رشا، لكنها تعلق في شراك اضطراباته النفسية من جهة، ومن عشق صديق زوجها أكسم (نضال نجم) من جهة، وزواجها المبني على المصلحة من جهةٍ أخرى.
ينقلب دافع الحبّ إلى جريمة ذكيةٍ، وتصبح أمل – رشا ضمن دائرة الاتهام مع أكسم وزوجها خليل بعد العثور على جثة طالب ميّتًا، ويبدأ حل لغز هذه الجريمة مع المحامي منصور الذي يجسده باسم ياخور.
ثنائية باسم ياخور وأمل بوشوشة
كسرت هذه الثنائية الطابع الجدّي والدراميّ. هذه المرة أمل وباسم يؤديان دورين متعاونين، بعدما شاهدناهما كخصمين في أعمال سابقةٍ. كما لاحظنا تفوّق أمل بوشوشة في إتقان اللهجة السورية في هذا العمل، وهو ما يعبّر عن تطور واضح منها في التلفظ بمفرداتها بشكلٍ يتناغم مع طبيعة الشخصية.
أما باسم، فقدّم شخصية المحامي بشكلٍ مختلفٍ، منجرفًا إلى أسلوب الدراما السوداء. فهو عبقريّ في تحليل آثار الأدلة أكثر من المُحقّق نفسه (غزوان الصفدي)، لكنه لا يفكر إلّا بصوتٍ عالٍ وعلى صوت الموسيقى. وعندما يتلاعب بشعره الأشعث، نفهم أنه يتوصل إلى استنتاجاتٍ حاسمةٍ. هذا الأداء كسر نمطية شخصية المحامي الموسومة بالجدية والغُرور، كما خدمت هذه الشخصية حبكة العمل، فبفضل عبقريته وتحليلاته في مسرح الجريمة، يقدم تصوراتٍ وتنبؤاتٍ للأحداث القادمة، وخلفياتٍ مثيرةٍ عن الأبطال المتهمين.
أمل بوشوشة: شخصية رباعية الأبعاد! كيف؟!
رغم أننا لم نر مشاهد لأمل كدكتورةٍ تقوم بالإجراءات التجميلية، إلا أننا رأينا “التجميل الدرامي” الذي أجرته أمل على شخصيتها رشا. فقد حوّلتها من مجرد شخصية دكتورة إلى امرأة تجمع بين الجمال وحب عشاقها الأربعة لها.
أمل لم تقدّم الشخصية كدكتورة راقية فقط، وإنما كشفت عن رغباتها وصراعاتها: من العنف الزوجي، وفتور الزواج المبني على المصلحة، وكرهها النجومية الزائفة لزوجها المذيع (خليل) أي الممثل خالد القيش، المدين للدكتور سجيع (عدنان أبو الشامات) الذي جعله صاحب محطة كبرى.
ورغم رغباتها العاطفية، أمل لم تقدم دورًا واحدًا بل دورًا رباعيًّا فهي: الزوجة، العاشقة بنزواتها، المحبوبة من طرف واحد، والضحية المتهمة.
استطاعت أمل أن تُقنعنا بأبعاد هذه الشخصيات ومبرراتها الدرامية لتخون وتحبّ، لكنها تتوقف عند مبادئ أخلاقية محدودةٍ. فهي لم تستسلم للدكتور سجيع الذي أراد منها طلب الطلاق لتتزوجه هو، ورفضته رغم بطشه وقدرته على التحكم في زوجها. أمّا علاقتها مع طالب، فلا تعدو أكثر من انجرافٍ عاطفي، لكنه كان سبب الجريمة بأكملها.
طالب: المهرج الحاضر الغائب!
قدّم الممثل إبراهيم الشيخ شخصية طالب، الذي كان الحاضر الغائب في المسلسل. فرغمَ رحيله من الحلقة الأولى، إلاّ أنّه كان يسطّر أقدار الشخصيات الأخرى في مسرحه الخاص.
كان طالب المهرج الّذي نظم جريمته على مسرح مليء بالأدلّة الوهميّة، ليُورّط كلّ عشّاق رشا ويدينهم حسب درجة تعلّقهم بها وأذيتهم له في الحياة. إبراهيم الشيخ قدم الشخصية كمهرجٍ ذكيّ لا يضحكنا طبعًا، لكنّه يفضح طبقاتٍ اجتماعيةٍ كاملة من الزيف، بدءًا من رجال الأعمال والمشاهير، إلى أشباه الأصدقاء والأزواج.
إبراهيم أبهرنا بقدرته على تقمّص شخصيةٍ مهتزة نفسيًا بسيكوباثية خارقة الذكاء، نظمت جريمةً في حق نفسها عبر الانتحار. ومع كل حلقة تُكشَف فيها عن أركان الجريمة، تزداد دهشتنا بقدرته على وضع تفاصيله الخادعة التي توقع بكلّ المتهّمين.
المهرج الحقيقي وصدمة المشاهد!
لكن المفاجأة الكبرى تظهر في المشهد الأخير: المهرج الحقيقي لم يكن طالب، بل أكسم. يظهر أكسم حاملاً مخطوط رواية جديدة بعنوان المهرج، وكأنه كتب هذه الجريمة بتفاصيلها،
وهنا نفهم أنّ طالب كان مجرد أداة في يد اللاعب الحقيقي، الذي حرّك الشخصيات كما أراد حتى وإن كان أذكى منه في بعض المواقف عندما حاول توريطه أكثر من المتهمين الآخرين.
الجريمة لم تكن سوى رواية حية كتبها أكسم، لتكشف عن عبقريته في توجيه مصائر الآخرين والتحكم بخيوط حياتهم. صدمة المشاهد هنا تكمن في إدراكه أن أكسم كان المايسترو الخفيّ، الذي جعل الجميع يتحركون وفق خطته المسبقة.
السيناريو والعمل
تميز نص بسام جنيد بجودة الكتابة وذكاء الحبكة. فقد صاغ لغة الشخصيات بما يناسب درجاتها الاجتماعية ومعجمها الخاص كما اعتمد المسلسل على أسلوب التكثيف في المشاهد، فلا دقيقة زائدة، أما روح النّص استفزّت ذكاء المشاهد وأدخلته في لعبة المشاركة الدراميّة، ليصبح محققًا مع الشخصيات، يحلل ويبحث عن الأدلة.
إذن مسلسل المهرج ليس مجرد دراما عابرة، بل عملا استثنائيا يجمع بين التشويق والعبقرية في سرد “الجريمة”، ويضع المشاهد في مواجهة لعبة ذهنية لا تُنسى!
محمد الخزامي