في الفن والموسيقى، لا شيء أصدق من أغنيةٍ وُلدت من وجعٍ حقيقي.
حين يفقد الفنان شخصًا عزيزًا، لا يكتب كلماتٍ فقط، بل يكتب جزءًا من روحه، يخبّئه في لحنٍ يواسيه أكثر مما يواسي الناس.
وهذا هو السر الحقيقي للأغاني الخالدة: ليست في الصوت ولا في التوزيع، بل في الدمع الذي سبقها قبل أن تُسجَّل.
الفقد هو أكثر المشاعر التي تُوحّد البشر، لأنه لا يستأذن أحدًا، ولا يفرّق بين لغةٍ وأخرى. من الغرب إلى الشرق، حمل الفنانون ألمهم وغنّوه بصوتٍ واحد، وإن اختلفت اللهجات والملامح.
في الغرب، كان إريك كلابتون أول من غنى هذا الصدق العاري في أغنيته الشهيرة “Tears in Heaven”، التي كتبها بعد وفاة ابنه.
كل كلمة فيها تسأل: هل سنلتقي مجددًا؟ فهي لم تكن أغنية للإستماع، بل رسالة من أبٍ يكتب إلى السماء.


وغنّى تشارلي بوث وويز خليفة لاحقًا “See You Again” لصديقهما الراحل بول ووكر، لتصبح الأغنية نشيدًا عالميًا للوداع، يسمعه الناس في لحظات الفقد وكأنها تعزّيهم جميعًا.

ثم جاءت سيلين ديون بـ “My Heart Will Go On”، أغنية تُذكّرنا أن الحبّ لا يموت حتى لو غاب الجسد.

وأديل بصوتها المليء بالحنين في “Someone Like You”، تغنّي الخسارة كأنها صديقة قديمة.
أما كولدبلاي فاختصروا فلسفة الشفاء بـ “Fix You”، حين قالوا: “Lights will guide you home…”  لأن الضوء الذي يشفي، غالبًا ما يولد من قلبٍ موجوع.
وعندنا في العالم العربي، فإن وائل كفوري صديق الشجن الدائم.
غنّى للحبّ الذي لا يشفى، وللفقد الذي لا يُنسى، بصوتٍ رجلٍ يخفي دمعه خلف كبريائه.

وفي لبنان أيضًا، صدح ملحم زين بصوتٍ روحيّ في “الجرح اللي بعدو جديد”، وكأن الجرح قدرٌ لا يُشفى منه أحد.

أما نجوى كرم، فإنها تضع وجعها في عزّ الشموخ، فتجعل الحزن يبدو جميلًا لا يُرثى له بل يُحترم.

واليوم، يأتي الدور على رامي عيّاش، ليضيف صوته إلى هذا الإرث الإنساني الكبير بأغنيته المنتظرة “وبترحل”.

كتب عنها بنفسه قائلًا إنه حاول مرارًا أن يغنّيها ولم يستطع، لأن الغصّة كانت تغلب الصوت.
ثماني سنوات من الصمت، لا لأن اللحن لم يكتمل، بل لأن الجرح لم يلتئم.
وقريباً ، حين تنطلق الأغنية، لن يسمع الناس فقط نغمة جديدة، بل صوت إنسان تعافى بما يكفي ليحكي وجعه بصراحة.
رامي لا يعود اليوم كفنانٍ يطرح أغنية جديدة فحسب، بل كإنسانٍ نجا من الغصّة وقرر أن يُهديها لنا على شكل موسيقى.
“وبترحل” قد تكون الأغنية التي تُعيد للأغنية العربية صدقها المفقود — حيث لا يُغنّى الحزن من أجل الحزن، بل من أجل الشفاء.
ربما هذا هو سرّ كل عمل خالد: أنه وُلد من ألمٍ خاص لكنه يواسي العالم كله. ومن “Tears in Heaven” إلى “وبترحل”، يبقى الفقد هو اللغة الوحيدة التي يفهمها كل إنسان، مهما تغيّرت الأصوات واللهجات.
اقرأ أيضًا: حين يتكلم الخريف بلغة القلب… رامي عياش يُغنّي الغياب، ونانسي تُعيد للحب صوته
ليما الملا
 منصّة كوليس منصّة كوليس الفنية لأخبار النجوم
منصّة كوليس منصّة كوليس الفنية لأخبار النجوم
				 
			
 
		 
						
					 
						
					 
						
					 
						
					